لقد فجعت قبل أيام ، بنبأ وفاة أخي الأكبر عبد العزيز إثر حادث مروري مروع .
لا شيء في هذه الحياة أشدُّ مرارةً وانكسارا وألما من فقدان أحد أفراد العائلة ، سواء الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت ، فإن تفقد أخاك ، يعني أن تفقد إنسانا ، يعرفك أكثر من نفسك، و إنّ كلُ فراقٍ يهونُ ويُحتمل إلا فراقُهم ، فإنه يكسرُ الظهر وألمٌ لا يطاقُ ، مهما تظاهرنا بالسلوانِ والنسيان، وحينما تذكرت أيامنا سويا ، تلك اللحظات التي لطالما شعرت أنّني لا أريد أن أتذكرها خوفاً من وجع قلبي الذي لا أقواه، خوفا من أن أعود لوحدتي مجددا، بكيت مطولاً كأول فراق لنا.
مازلت أتذكر أخي، تفاصيل وجهه الطيب، ضحكاته ، أيامه ،أفعاله ، أقواله، النظرة الهادئة المليئة بالسلام والود والحب والألفة التي تظلل وجهه، ولن أنسى صورته الأخيرة ، ملفوفا بكفن أبيض، برودة جبينه حين قبلته لأودعه ، ورائحة كفنه ، وعيناه مغمضتين، إبتسامة وجهه لم تغب عني حتى في هذه اللحظات، بعد أن أسعد الناس بروحه المرحه الرائعة ، وشخصيته المحبوبة ، وقلبه الطيب ، رحل عن هذه الدنيا ، وهو في عز شبابه ، وأعلم تماما أن الحياة لاتقف على رحيل شخص ، ولكنها ستمر مؤلمة كنصل سيف يخترق الجسد .
لقد كان عبدالعزيز رجلا حقيقيا ، كان صقر من صقور بني مرة ، كان فخر الرجال ، لا يوقفه فشل ولا تعثر ولا صعاب بل كان من الذين يسعون نحو النجاح دون كلل، معروفا بأفعاله ، وبحكمته ورجاحة عقله ، وفصاحة لسانه ، ثباته على موقفه والتزامه بكلمته وكأنها سيف موجه إلى رقبته، إذا هوت كلمته هوى السيف.
ذلك هو أخي عبدالعزيز، إن حضر سبقته هيبته ، وإحترام الجميع له ، يبحث عن مخافة الله، في كل ما يقوله وما يفعله، وعندما تتحدث عن ابتسامة وطيب ملقى ورحابة صدر وفزعة وأخلاق وقلب يتسع الجميع وأفعال طيبة تخلد ذكراه.
ورحل عبدالعزيز من دار الفناء إلى دار البقاء بعد أن أختاره الله بان يكون جواره تاركا لي الذكريات التي يتفطر لها القلب ويتقطع .
إن نبأ وفاة الأخ ليس كأي نبأ ، بل هو الأصعب والأفجع خصوصًا عندما تدرك ، بأن الآن لم يعد لك سوى بعض الصور ، تلجأ لها عندما تفتح خزائن الذكريات ، ولم يكن هناك إلا محاكاة لثرى مثوى فقيد كان سندا وأخا صادقًا وفيا وكريما.
عزاؤنا أنه رحل وبقيت بصماته، فالكل يثني عليه خيرًا ويدعو له، ويذكرون بشاشته وابتسامته وحسن حديثه، وعلاقته الطيبة بالجميع، لا شيء يبقى كلنا في رحلة تنتهي بالموت ، هنيئا لك يا أخي بالشهادة .
رحلت ياعبدالعزيز ، وتركت لنا الذكرى الطيبة، رحلت وتركت لنا الألم الذي يتوج حزنا يعتصر القلوب، لأننا لن نراك ثانية، رحلت ونحن في شوق إلى رؤياك، ولكنها إرادة الله عز وجل، ولا نقول إلا (إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعون ).
اللهم أغفرله وأرحمه وأدخله فسيح جناتك .